سبب نزول سورة الضحى
سورة الضحى هي إحدى السور المكية التي نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة. وتعد السورة من السور القصيرة في القرآن الكريم، حيث تتألف من 11 آية فقط، لكنها تحمل معانٍ عميقة ومؤثرة، وتتمحور حول موضوعات الراحة النفسية والطمأنينة، فضلًا عن إبراز رحمته وعناية الله تعالى بعباده، خاصة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
تاريخ نزول السورة وأسبابها
سورة الضحى نزلت في مرحلة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مليئة بالتحديات والضغوط النفسية. فبعد مرور فترة من الوحي، انقطع الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم، مما تسبب في شعور بالحزن والقلق العميق لديه. وقد استمر هذا الانقطاع لمدة تتراوح بين شهرين إلى ثلاثة أشهر، وهو ما كان يؤثر على نفسية النبي بشكل كبير. كان ذلك الانقطاع سببًا في إشاعة بعض الشائعات بين قريش وبعض الصحابة، حيث قال بعضهم إن الله قد قلى محمدًا، بينما اعتقد آخرون أن هناك مشكلة ما قد حدثت، أو أن النبي قد نُسِيَ في جانب الله تعالى. وقد أشيع أن الوحي قد انقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولن يعود.
وفي تلك الفترة من الانقطاع، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاني من قلق ووجوم بسبب توقف الوحي، وهو ما دفع بعض من كانوا يراقبون حالته النفسية إلى التشكيك في استمرار رسالته. وقد وصل الأمر إلى حد أن بعضهم ظن أن الله قد غضب عليه. لكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يرفع عن نبيه هذا الحزن والهم، فأنزل عليه هذه السورة الكريمة، لتطمئن قلبه وتبشره بأن الله تعالى لم يتركه ولن يتركه أبدًا.
مضامين السورة وموضوعاتها
سورة الضحى تبدأ بأقسم الله تعالى بالضحى، وهي من أوقات النهار المباركة، حيث يشير الله سبحانه وتعالى إلى هذه اللحظة الجميلة والمضيئة في اليوم ليُذكّر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله لم يتركه في ظلمة ولا وحشة، وأنه سبحانه وتعالى قد استمر في دعمه ورعايته له.
ثم يذكر الله سبحانه وتعالى في الآية الثانية أنه ما ودعك ربك وما قلى، أي أن الله لم يتركك ولم يهملك، بل هو دائمًا معك، ولن يتركك أبدًا في أي وقت من الأوقات. وقد كانت هذه الآية بمثابة رسالة تطمينية للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث تؤكد له أن الله لم ينسه في أي وقت مضى، بل إن الله تعالى يرعاه ويهتم به بشكل خاص.
ويستمر الله تعالى في السورة بتذكير النبي صلى الله عليه وسلم بنعم الله التي لا تحصى عليه، حيث قال تعالى: “وَلَا الْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَىٰ”، مما يعني أن المستقبل، سواء في الدنيا أو في الآخرة، سيكون أفضل بكثير مما كان في الماضي، وهذا يشير إلى أن الله تعالى قد اختار للنبي صلى الله عليه وسلم أفضل مصير وأعظم عاقبة.
الرسائل الإيمانية من سورة الضحى
تعد سورة الضحى من السور التي تحمل الكثير من الرسائل التي يمكن للمؤمن أن يستلهم منها دروسًا عظيمة، أهمها:
-
الطمأنينة بعد الشدة: يبين الله سبحانه وتعالى في السورة أن الشدة والمحنة ليست نهاية المطاف، بل هي مرحلة ستمر، وأن الفرج قريب، فالله تعالى لا يترك عبده أبدًا في كربه. وهي رسالة للمؤمنين جميعًا بأن الهم والحزن لن يدومان، وأن الله تعالى سيعوضهم عن كل محنة.
-
الاحتساب والرجاء في الله: من خلال هذه السورة، يعلم الله تعالى نبيه أن يظل صابرًا متوكلًا عليه، وأن يتوقع الخير والرحمة من الله تعالى في كل الأوقات. فعلى المسلم أن يثق في رحمة الله وقدرته على التغيير للأفضل، وأنه ما دام في عون الله، فلن يخذله أبدًا.
-
الاعتراف بالنعم الإلهية: السورة تدعونا إلى أن نكون شاكرين لله على نعمته ورعايته. فالله سبحانه وتعالى لم يترك نبيه في أحلك اللحظات، بل ظل يمده برعايته ورحمتِه، وهي دعوة للمؤمنين بأن يعترفوا بنعم الله ويشكرونه عليها.
-
التأكيد على مكانة النبي صلى الله عليه وسلم: في السورة، يعزز الله مكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويذكره بأن الله تعالى لا ينساه أبدًا، وأنه لن يتركه في صعوبة أو شدة. هذه الآية تعزز من مكانة النبي في قلوب المؤمنين وتؤكد لهم بأن الله تعالى لا يهمل رسوله.
-
التحفيز على العطاء والمساعدة: في النهاية، تأتي السورة لتؤكد على أهمية الإحسان والمساعدة للآخرين. حيث يحث الله نبيه على إعطاء المحتاجين واليتامى والمساكين، وهي دعوة للمؤمنين بأن يكونوا متسامحين وكريمين مع الآخرين.
التفسير اللغوي والسياقي للسورة
السورة تبدأ بالقسم بالضحى، وهي بداية تعكس مشهدًا من الأمل والنور، وتُظهِر الوقت الذي فيه يبدأ الأمل في الظهور بعد فترة من الكرب والشدة. وقد جاءت آية “ما ودعك ربك وما قلى” لتؤكد للنبي صلى الله عليه وسلم أن انقطاع الوحي ليس علامة على أن الله قد غضب عليه أو أن رسالته قد انتهت، بل هي فترة اختبار وابتلاء، مثلما يحدث في حياة المؤمنين عندما يمرون بمرحلة صعبة يتخللها بعض الشكوك والقلق، ثم يأتي الفرج بعد ذلك.
وتعد آية “وَلَا الْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَىٰ” من أعمق الآيات التي تعكس وعد الله تعالى بأن المستقبل سيكون أفضل، مما يعكس طمأنة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة الإسلامية، بأن كل التحديات التي يواجهونها في الدنيا ستزول في النهاية.
خاتمة
سورة الضحى تمثل رسالة عظيمة للإيمان بالله، فبها يظهر تأكيد الله سبحانه وتعالى على رعايته وحمايته لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وتعد بمثابة دعوة للمؤمنين للثقة في الله والتمسك بالأمل والرجاء في رحمته مهما كانت الظروف.
